Ads 468x60px

الأربعاء، 15 ديسمبر 2010

ملامح الوصل والفصل بين العربية والفارسية


ملامح الوصل والفصل بين العربية والفارسية

 

   د. محمد خاقاني*

 
 




أقيمت دراسات عديدة وبحوث مكثفة تسلط الضوء على مدى التفاعل الحيوي بين اللغتين العربية والفارسية وآدابهما، قام بها كبار الأدباء الذين درسوا هذه العلاقة، علاقة قلما نجدها بين أية لغتين من اللغات الأخرى.
إن حيوية أية لغة وتطورها المنبثق من تطور المجتمع البشري طوال التاريخ تفرض على الضالعين في كل أدب أن يخوضوا ويناقشوا نوعية الصلات اللغوية بين كل شعب وجيرانه. إذ إن اللغة مجتلى النفوس البشرية وآية لإبداع العقل، ولا يمكن اعتبارها كمجرد أداة للتعبير عما في النفوس والأفكار، بل تتجاوز هذا الحد بتأثيرها الفاعل في نفس المتكلم والمخاطب من خلال صبغ المضامين بصبغتها.
وحيث إن الفكر الإنساني حقيقة لا يمكن حصرها في شعب دون آخر والثقافة البشرية لم ولن تخضع لمعايير الجمارك والحدود، فكذلك اللغة التي تحمل معطيات هذا الفكر تمتزج بأخواتها وتقفز وراء الشعوب والأمم.
الدراسات الألسنية في القرن المعاصر تلقي الضوء على مساحات واسعة من هذه التفاعلات بين مختلف اللغات الحية العالمية، لكننا قلما نجد لغتين منفصلتين تماماً من حيث أصولهما ومبادئ الاشتقاق والتصريف فيهما، قدّر لهما أن تتلاحما وتتكاثفا بمقدار ما نراه ونلمسه بين العربية والفارسية.
سنتطرق لبعض العناوين التي تمثل لنا مدى هذا التلاحم والتفاعل المشترك بين هاتين اللغتين الشقيقتين، لكن لابد أولاً من الوقوف وبكل أسف عند المؤامرات السياسية والثقافية الاستكبارية التي ساهمت في القرن الأخير في فصل هذا المسار المشترك (1)، وفازت اللغات والثقافات الغربية بالسبق في التأثير على الفارسية والعربية بفضل التقدم العلمي والتكنولوجي الغربي من جانب وانحياز النظام الإيراني السابق والأنظمة العربية كل على حدة إلى الأطروحات السياسية والثقافية الغربية، وهكذا انبهار المثقفين الفرس والعرب أمام أعمال المستشرقين الذين كثفوا جهودهم في الدراسات اللغوية والأدبية الشرقية من جهة أخرى.
وإلى جانب هذا الانتماء نحو الغرب نجحت المؤامرات العدوانية في إبعاد الأدبين بزرع بذور النفور والاحتقار بين الشعبين مستغلة جميع بوادر الخلاف الثقافية والدينية والقومية التاريخية، حيث اقتصرت جهود العلماء الإيرانيين المهتمين بشؤون اللغة العربية وآدابها في الحوزات العلمية على النصوص الإسلامية الأولى وتمحورت الدراسات في الجامعات الإيرانية على الأدب الجاهلي وآداب العصور الماضية دون اهتمام جدير بمستجدات الأدب العربي المعاصر، كما أفضت الأوضاع إلى جهل المثقفين العرب شبه الكامل بهوية الأدب الفارسي الذي قد لا نجد عنه مقالاً واحداً في كثير من الجرائد والمجلات العربية المختصة بالآداب الأجنبية.
يكفينا اعتراف أحد أبرز أدباء العرب المعاصرين "الدكتور: طه حسين" بعدم تعرف العرب على الأدب الفارسي: "وقد كان علمنا بشؤون الأدب الإيراني ضيقاً محدود الوسائل لا نستطيع أن نلتمسه عند أهله وإنما نلتمسه عند الإنجليز والفرنسيين والألمان الذين سبقونا مع الأسف إلى العلم بهذا الأدب وتذوقه، ويكفي أننا عرفنا "عمر الخيام" في هذا العصر الحديث من طريق التراجم الإنجليزية ومن طريق ما كتب عنه الإنجليز" (2).
وإذا كان هناك أمل يحدونا في لم شمل المسلمين وترابطهم وعلاقتهم ببعضهم فهو ما يتجسد في مدى اهتمام الثورة الإسلامية وقائدها آية الله العظمى الخامنئي، الذي لم يأل جهداً في كسر الحواجز والسدود مصراً على توسيع نطاق الأدب الفارسي وتكثيف الجهود لتعليمه لا انطلاقاً من العنصرية الفارسية التي وطأناها تحت أقدام شعبنا المسلم بل إيماناً بتمكن هذا الأدب المليء بالقرآن والعرفان من نشر بذور الثقافة الإسلامية في قلوب المؤمنين وجعل منجزات هذه اللغة وآدابها في متناول أيدي الشباب والمثقفين.
نحن، في دراستنا الموجزة هذه، بغية فهم آليات النشاط المشترك الجديد نلقي أولاً نظرة عابرة على عناوين الخلاف والفروق الموجودة في البنى التحتية لكل من اللغتين حتى يتسنى لنا فهم إعجاز التلاحم والتضامن بينهما ثانياً.

الفصل الأول: عناوين الفروق بين العربية والفارسية

معظم الخلافات ترجع إلى أصولهما حيث اشتقت اللغة الفارسية من اللغات "الهند أوربية" التي تمتد بين إيران والهند والباكستان ومختلف اللغات المنحدرة من الأصل اللاتيني في البلدان الأوروبية بينما انتزعت العربية من اللغات "السامية" التي تنحدر منها العبرية والآشورية والبابلية والسريانية وغيرها.
وإليكم بعض عناوين هذه الفروق:

1 ـــ  اختلاف النبرة الصوتية:

إن وجود الأحرف الحلقية والأحرف المستعلية في اللغة العربية لها الدور الأساس في إعطائها صلابة وذبذبة عالية تختلف كثيراً عن المرونة التي نتذوقها في نبرة اللغة الفارسية.
ويندرج في هذا الإطار وجود ثمانية أحرف دخيلة في اللغة الفارسية، لا توجد في أية لفظة فارسية الأصل، وعلى الرغم من استعمالها كثيراً في كتابة اللغة الفارسية، إلا أنها تلفظ مثل حروف أخرى موجودة في الفارسية وهي: ث ـــ  ح ـــ  ص ـــ  ض ـــ  ط ـــ  ظ ـــ  ع ـــ  ق، فاستعمال أي من هذه الحروف في أية لفظة في الفارسية يدل على كونها عربية أو أجنبية دخلت إلى الفارسية كما أن الأحرف الأربعة: ب ـــ  :ج ـــ  ز ـــ  كَـ، لا توجد في العربية وهي مرنة في التلفظ.
كما يندرج في هذا الإطار اختصاص "التشديد" في الفارسية بأربعة أحرف دون غيرها هي ب ـــ  ج ـــ  ل ـــ  ر، (نحو: تبه، بجه، كله وبره)، ووجود أي حرف آخر مشدداً في لفظة فارسية يدل على كونها دخيلة من سائر اللغات، ولاشك أن في قلة الأحرف القابلة للتشديد أثراً في خفة ومرونة اللغة الفارسية دون العربية.

2 ـــ  اختلاف اللغتين في التصريف والاشتقاق:

إن مساحة الاشتقاق والتصريف واسعة جداً في العربية، لا مثيل لها في سائر اللغات، فاختلاف المثنى والجمع (سواء في الأفعال أو الأسماء الظاهرة أو الضمائر أو أسماء الإشارة)، وكذلك التفريق بين المذكر والمؤنث (أيضاً في الأسماء الظاهرة والصفات والمضمرات وأسماء الإشارة وأسماء العدد)، أديا ـــ  في الفعل ـــ  إلى كون الصيغ الماضية والمضارعة 14 صيغة في العربية مقابل 6 صيغ في الفارسية، و6 صيغ للأمر الحاضر في العربية مقابل صيغتين في الفارسية وكذلك الحال في الصيغ الفاعلية والمفعولية والمشبهة وغيرها من المشتقات.
ويجب الانتباه أيضاً إلى اشتقاق أبواب كثيرة مزيدة فيها من الثلاثي المجرد والرباعي المجرد "يرى الشيخ الراحل عبد الله العلايلي أن سر سعة العربية وغناها يكمنان في استنادها في الاشتقاق إلى "الموازين" ففي حين نرى اللغات الآرية تنمو أفقياً، نجد اللغات السامية، لاسيما العربية منها تنمو عمودياً، وقد لاحظ سيبويه في كتابه المسمى "كتاب سيبويه" ثلاثمائة وزن تلحق بمادة الكلمة... وزاد على سيبويه من جاء بعده من النحويين واللغويين أوزاناً أخرى حتى وصلت إلى الألف عدداً"(3). فمشتقات الجذر اللغوي الواحد مثل أغصان كثيرة لشجرة كبيرة، نهضت في الأصل من بذرة صغيرة تلك هي في مصطلح الشيخ عبد الله العلايلي في المعجم: "الوحدة المعنوية = الوحدة الاشتقاقية الكبرى"(4).
لكن هذا العدد (الألف) لا يتجاوز الخمسين أو الستين في (أكثر التقديرات) في الفارسية ولا يوجد في الفارسية أبواب مزيدة إلا باب واحد وذلك لتعدية الفعل اللازم بإضافة (اند) إلى الصيغة اللازمة المجردة بعد إعمال تعديلات لا يمكن تقنينها ـــ  وهي مقننة في العربية ـــ  نحو اشتقاق (نشاند)، (اقعد) من أصل "نشت" (قعد) للتعدية.
أما الفوارق الصرفية الأخرى بين اللغتين فبعضها ما يلي:
ـــ  يشتق المضارع من الماضي في العربية بقوالب محددة، أما الفعل المضارع في الفارسية فله أصل يختلف عن الأصل الماضي نحو (رفت ـــ  رو). ولا تخفى المشكلة التي يواجهها الأجانب الدارسون للغة الفارسية من عدم استطاعتهم صياغة المضارع من الماضي خلافاً للعربية وحتى الإنكليزية (في الأفعال المطردة).
ـــ  إن تصريف الأفعال يبتدئ في العربية بصيغ الغائب، وتمر بالمخاطب لتصل إلى المتكلم، والسير بالعكس في الفارسية، حيث نبدأ بالمتكلم ثم المخاطب ثم الغائب في المفرد، ونكررها مرة أخرى في الجمع مثل الإنكليزية والفرنسية لكونها مشتركة من أصل واحد.
ـــ  تقسيم الكلمة في العربية إلى الاسم والفعل والحرف تقسيم منطقي راجع إلى التقسيم الثنائي (بين النفي والإثبات) أي تقسيمها إلى ما لـه معنى مستقل وغيره (الحرف)، وتقسيم ما لـه معنى مستقل إلى ما هو مقيد بزمان (الفعل)، وغيره (الاسم). لكن تقسيم الكلمة في الصرف الفارسي إلى تسعة أقسام جرت دون مراعاة الأسس المنطقية، على غرار سائر اللغات الآرية والأوربية.
ـــ  نقسم أسماء الإشارة في العربية إلى القريب (هذا) والمتوسط (ذاك) والبعيد (ذلك) ولا يوجد في الفارسية إلا البعيد (آن) والقريب (اين) دون المتوسط.
ـــ  وهكذا تقسيم حروف النداء العربية إلى نداء القريب والمتوسط والبعيد ولا شيء من هذا التقسيم في الفارسية.
ـــ  إن لكل فعل فارسي مصدراً واحداً يختم بـــ  (تن) نحو "نشستن" أو "دن" نحو "بردن") بأسلوب قياسي، وذلك بإضافة حرف النون إلى المفرد الغائب من الماضي المطلق. أما في العربية فيتحمّل الفعل الثلاثي المجرد مصادر كثيرة غير مطردة في بعض أبواب الثلاثي المزيد نحو ذكر: يذكر تذكيراً وتذكاراً وتذكرة.
ـــ  إن لأسلوب النحت دوراً بارزاً ومميزاً في مساحة الاشتقاق في اللغة العربية، باستغلال هذا الأسلوب يمكن أن نأخذ أي اسم عربي ونقمّصه بأحد القوالب الصرفية العربية، بهذه الطريقة، استطاعت العربية، من خلال احتكاكها بلغات الشعوب وثقافاتهم، من فارسية ويونانية وهندية وسريانية أن تمتص مصطلحات وثقافات الشعوب، وأن تهضمها في مجراها المتحول، والقابل للتحول، لا شك في أن دارسي تاريخ اللغة العربية يعرفون هذه الطاقة التحويلية فيها، كما يدركون مرونتها وقابليتها القديمة للحياة".(5)
إليكم بعض النماذج من النحت:
من أصل عربي: التقمص (لبس القميص) ـــ  التفرعن (التشبه بفرعون في الاستكبار)، قوننة الاقتراحات (جعلها قانونية) ـــ  التأقلم (اتباع التقاليد الرائجة في الإقليم أو المنطقة) ـــ  عولمة الثقافة (جعلها في نصاب عالمي يتجاوز منطقة خاصة) ـــ  عصرنة الأفكار (مشتقة من العصراني أي الحديث) ـــ  مرونة الشريعة (جعلها مرنة متعاطفة مع متغيرات الزمان والمكان) ـــ  التوزير (تعيين شخص وزيراً في هيئة الدولة) ـــ  أسلمة الجامعات (جعلها إسلامية) ـــ  العقلنة (إعمال العقل) ـــ  قولبة الأشياء (تحديدها بقوالب محددة).
من أصل فارسي: كاش يكوش (من مصدر كوشيدن) باس يبوس (من مصدر بوسيدن) ـــ  تسربل يتسربل (من السربال معرب شلوار) ـــ  تكهرب يتكهرب (أصيب بالكهرباء، مشتقة من لفظة "كاه ربا" الفارسية ـــ  دوّن أشعاره (من ديوان الفارسية) ـــ  برى السهم (من مصدر بريدن) ـــ  خفت الصوت (من مصدر خفتيدن) ـــ  تزنبر (بمعنى فسق ـــ  معرب من زنباره أي فاسق) ـــ  الزي الهيئة والشكل من مصدر زيستن) ـــ  اشتهى (من الشاهي أي الغذاء الملكي اللذيذ) ـــ  دشّن الطريق (فتحه رسمياً من أصل دشن الفارسية) ـــ  غمزه بالعين (من غمزة بمعنى الدلال) ـــ  تفرزن (صار فرزاناً، من فرزين الفارسية أي ملكة الشطرنج) ـــ  تكدّا (مشتق من كدا أي المتسول) ـــ  ألجم فرسه (معرف من لكام) ـــ  مهر الرسالة (ختم بالمهر الفارسية) ـــ  نشورت الدابة من علفها (أي أبقت من علفها، من نشخواز الفارسية) ـــ  نكسه (قلبه على رأسه، من نكون سار) ـــ  هندس يهندس (معرب يزنهر (معرب من أندازه) ـــ  خرش يخرش (من مصدر خراشيدن).
من أصل فرنجي: التلفنة (الاتصال التليفوني) ـــ  الدبلجة (من دوبلاز الفرنسية) ـــ  تفويل السيارة (تعبئتها بالبنزين من FULL الإنكليزية) ـــ  تشريج البطارية (تعبئتها من charge الإنكليزية) ـــ  الأكسدة الإصابة بالأكسيد) ـــ  دولرة العملة (صرفها بالدولار).
ومنها انتساب شخص أو شيء إلى بلد نحو:
تأمرك (أصبح أمريكياً) ـــ  تلبنن (أصبح لبنانياً) ـــ  فرسنة اللفظة (جعلها فارسية) أفرقة السياسة (جعلها أفريقية) ـــ  فرنسة الثقافة (تحويلها إلى ثقافة فرنسية) ـــ  صهينة المنطقة (تحويلها إلى منطقة صهيونية).
ومنها دمج عبارة في فعل واحد نحو:
بسمل (قال بسم الله الرحمن الرحيم) ـــ  حوقل (قال لا حول ولا قوة إلا بالله) ـــ  سبح (قال سبحان الله) ـــ  كبر (قال الله أكبر) ـــ  حيعل (قال حي على الصلاة) ـــ  الزمكان (الزمان ـــ  المكان).
ـــ  ينقسم الاسم العربي إلى ثلاثي (فرس) ورباعي (درهم) وخماسي (سفرجل) والفعل إلى ثلاثي (ضرب) ورباعي (زلزل) ـــ  ولا أثر لهكذا تقسيم في الصرف الفارسي علماً أن أصول الأفعال الفارسية تتراوح بين حرفين نحو: (آ: أمر من مصدر آمدن) و(رو = من مصدر رفتن) وثلاثة أحرف نحو (كفت: ماض من مصدر كفتن) و(ريز: مضارع من مصدر رخيتن)، وأربعة أحرف نحو: (نشست: ماض من مصدر نشستن) و(نشين: مضارع منه)، وخمسة أو ستة أحرف، وأكثر ما نصادفه في المصدر الموضوع المركب من الاسم (يدن) نحو (خنديد وخشكيد ورنجيد ونورديد)، أو غير الموضوع نحو (كذارد) وأكثر منها، مما نراها في الفعل المركب من لفظتين نحو (درهم شكست)، و(بطول انجاميد).
ـــ  يتفرع على الموضوع السابق كثرة المصادر الفارسية المركبة من كلمتين أو أكثر مثل (غم خوردن) أو (ديدار كردن) ولا شيء من هذه الظاهرة في العربية.
ـــ  ويتفرع عليه أيضاً كثرة المصادر الفارسية المركبة من مصدر عربي وفعل مساعد فارسي نحو (استقامت كردن) أو (تشريح نمودن) أو (سبقت كرفتن) وهذا ما يسمى بالاشتقاق الأفقي الذي يستند فيه إلى إضافة جذر إلى آخر في تشكيل خطي تجميعي للكلمات، مثل لفظة microbiologie التي تتشكل من ثلاثة ألفاظ متتالية: micro, bio, logie. (6)
ـــ  الفارسية تختلف عن العربية بإدخال الحروف الجارة (وتسمى حروف الإضافة في الفارسية) على الأفعال البسيطة نحو (بركرفتن) و(در رفتن) فالدواخل (بيشوندها) واللواحق (بسوندها) لها دور نشط في جبر عدم وجود الأبواب المزيدة في الفارسية.

3 ـــ  الخلافات النحوية:

ـــ  إن قوام العربية على الإعراب والبناء. فالحروف مبنية وكذا الفعل الماضي وفعل الأمر لكن معظم الأسماء معربة، هكذا الفعل المضارع، والإعراب من الخصائص الجوهرية في العربية حيث تعبر حركة آخر الكلمات المعربة (أو الحروف القائمة مقام هذه الحركات) عن الدور الذي تلعبه الكلمة في الجملة وعن علاقتها ببقية الكلمات، ولا توجد هذه الظاهرة في الفارسية ولا سائر اللغات. على أساس هذه الظاهرة تنفرد العربية من بين اللغات في أنه لا يمكن قراءة جملة عربية إلا بعد فهم معناها إذ إن معنى الكلام هو الذي يحدد شكل مفرداته وحركات ألفاظه.
ـــ  الكلمات المعرفة المجزومة والكلمات المبنية على السكون لها نسبة ضئيلة إلى جانب الألفاظ المتحركة الآخر (إذا أغمضنا النظر إلى أسلوب التسكين الذي يعتمد عليه في المحاورات اليومية وخوفاً من اللحن في الكلام)، على العكس من الفارسية فكل ألفاظها ساكنة للتسهيل، إلا المضاف والموصوف اللذين يقبلان كسرة الإضافة (ويمكننا إلحاق الأسماء المختومة بالهاء غير الملفوظة بهما نحو "خانة" فهي أيضاً مكسورة بناء على أصالة التلفظ الشفهي دون الكتبي).
ـــ  تلتقي اللغتان في تقسيم الجمل إلى الاسمية والفعلية لكن معيار اسمية الجملة العربية ابتداؤها بالاسم، ومعيار فعليتها ابتداؤها بالفعل، بينما تبتدئ كل الجمل الفارسية بالاسم وتختتم بالفعل. فإذا كان فعل الجملة أحد الأفعال الخمسة العامة أو الربطية (است، بود، شد، كشت، كرديد) فهي اسمية وما عداها تعد فعلية.
ويتفرع على ما قيل آنفاً أن الفارق الجوهري بين اللغتين في ترتيب أركان الجملة، إذ الأصل في نسق الجملة الفعلية الفارسية تقديم الفاعل وتأخير الفعل ويتوسط بينهما المفعول وسائر المتممات، وفي الجملة العربية ينعكس الترتيب.
هذا الخلاف الجوهري يسبب مشاكل في عملية الترجمة، وخاصة الترجمة المباشرة حيث يضطر المترجم لإتقان وفصاحة ترجمته أن ينتظر حتى ينهي المتكلم جملته ثم يبدأ بترجمتها مما يعني أن المترجم المباشر من العربية إلى الفارسية دائماً يتأخر عن كلام المتكلم بجملة واحدة على الأقل. أما المترجم من الإنكليزية إلى الفارسية فلا يعاني مشكلة بهذا الحجم.
أركان الجملة الفعلية العربية هي نفسها أركان الجملة الفعلية الفارسية، أما الجملة الاسمية العربية فلها ركنان فقط، وهما المبتدأ والخبر. والاسمية الفارسية فلها ثلاثة أركان وتسمى مسنداً إليه ومسنداً ورابطة: (هو اكرم است)، العلاقة بين المبتدأ والخبر تكمن في العربية في رفع الخبر بالمبتدأ ولا تظهر في كلمة مستقلة (است)، مما أدى إلى إشادة بعض أرباب المنطق بالفارسية، لتخصيصها لفظة خاصة بالنسبة الحكمية (إضافة إلى الموضوع والمحمول) ولا أرى أنا وجهاً لهذا الإعجاب، لأن من شأن النسبة أن تكون قائمة بطرفيها غير مستقلة عنهما.
ـــ  إن علم النحو العربي يتمحور على إعراب الكلمات، حيث يصنف المبتدأ والخبر والفاعل ونائب الفاعل واسم كان وخبر إنّ و.. في عداد المرفوعات ثم يفهرس المفاعيل الخمسة وخبر كان وأنّ والمنادى والمستثنى و.. في قائمة المنصوبات، وصولاً إلى المجرورات ولا شيء من هذا الفرز في الفارسية.
ـــ  في العربية حديث مشبع في النحو فيما يتعلق بالنواسخ، فالجمل مثل (كان علي يذهب) أو (كان علي قد ذهب) أو (يكون علي قد ذهب)، تناقش في النحو العربي تحت عنوان "النواسخ" التي تدخل على الاسم والخبر وتؤثر في إعرابهما، أما الفارسية فالجملة الأولى مثال للفعل الماضي الاستمراري (مي رفت)، والثانية مثال للفعل الماضي البعيد (رفته بود)، والثالثة نموذج للفعل الماضي الالتزامي (رفته باشد) هنا يجب الانتباه إلى فارقين:
1 ـــ  هذه الأفعال الثلاثة بالإضافة إلى الماضي المطلق (رفت) والماضي النقلي (رفته است) تبحث في تقسيم خماسي للفعل الماضي، ولا شيء من هذا التقسيم في العربية.
2 ـــ  مجال البحث في هذا التقسيم الخماسي في الفارسية هو في الصرف. أما العربية فتدرسه في النحو (في النواسخ).
ـــ  ويتفرع على الخلاف السابق تقسيم الفعل المضارع في صرف الفارسية إلى المضارع الإخباري (مي رود) والالتزامي (برود) وهما ينطبقان على تقسيم نحوي عربي للمضارع المرفوع (مقابل الإخباري) والمنصوب والمجزوم (مقابل الالتزامي) انطباقاً نسبياً لـه استثناءات، وإليكم بعض النماذج منها:
ـــ  مى رود مضارع إخباري) = يذهب (مضارع مرفوع).
ـــ  اكر كوشش كنى (مضارع التزامي) = إن تجتهد (مضارع مجزوم ـــ  فعل الشرط).
ـــ  موفق مى شوى (مضارع إخباري) = تنجح (مضارع مجزوم ـــ  جواب الشرط)
ـــ  أي كاش برود (مضارع التزامي) = ليته يذهب (مضارع مرفوع)
ـــ  يعتبر حرف النداء العربي قائماً مقام فعل (أنادي) فهو يشكل مع المنادى جملة كاملة من الفعل والفاعل والمفعول ونصب المنادى على المفعولية)، لكنهما في الفارسية يعتبران جزءاً من الجملة التي تليها أي انهما عبارة (phrase في الإنجليزية)، لا جملة كاملة.

4 ـــ  الفروق الأدبية:

ـــ  هناك أنواع من الشعر الفارسي لا نجدها في الأدب العربي (كالدوبيت)، وأنواع من الشعر العربي لا نجدها في الأدب الفارسي كالموشحات والزجل، كما أن هناك خلافات في بعض البحور المستعملة في الأدبين.
إن محور تقسيم المراحل في تاريخ الأدب الفارسي يقوم على الأساليب الأدبية التي تسمى (السبك) منها: السبك الخراساني، السبك العراقي، السبك الهندي وغيرها. ولكن العادة جرت في الأدب العربي على القسمة الخماسية المرتبطة بنظام الحكم وهي: العصر الجاهلي والإسلامي والعباسي وعصر الانحطاط وعصر النهضة.
ـــ  الأدب الفارسي مليء بالعرفان، والشعر الفارسي يتمتع بحلاوة ونكهة عرفانية واستعارات رمزية لطيفة، لا نجد لها مثيلاً في الأدب العربي (بغض النظر عن القرآن والنصوص الإسلامية الأصلية)، وإذا وجدنا نوادر في أدباء العرب ممن استشموا رائحة العرفان من أمثال ابن الفارض المصري فإن أحداً لا يقدر أن يتحدى "الحافظ الشيرازي" أو "المولوي" على سبيل المثال بين الأدباء العرب. طبعاً هذا الخلاف الأدبي لا يرجع إلى طبيعة وجوهر اللغة الفارسية، وإنما يرجع إلى الثقافة السائدة بين الأدباء.
ـــ  اللغة العربية تمتاز من بين سائر اللغات (ومنها الفارسية) بالإيجاز. وهي الأقدر على سبك المعاني الغزيرة في الألفاظ القليلة، وذلك بفضل سعة إطار الاشتقاق وكثرة الأبواب الفعلية المجردة والمزيدة، وسبق وأن تحدثنا عن (النحت)، وكيف أنه يمكن نحت فعل بكلمة واحدة يغنينا عن لفظتين أو أكثر، كذلك افتراق المؤنث عن المذكر في الأفعال والأسماء وافتراق الجمع عن المثنى اللذان يزيدان في عدد الصيغ الفعلية يسهمان بوضوح في هذا الإيجاز حيث يجب في ترجمة فعل بكلمة واحدة نحو (ذهبتا) إلى الفارسية أن نستخدم عدة ألفاظ (آن دو زن رفتند) ولا يمكن الاكتفاء بـــ  (رفتند) في تأدية المعنى، والنتيجة أن كل كتاب مترجم من العربية إلى الفارسية وسائر اللغات قد يحتاج إلى ضعفين أو ثلاثة أضعاف الأصل كمّاً وحجماً.
ـــ  أضف إلى سعة الصيغ المشتقة من المصادر: كثرة المصادر نفسها أيضاً، وأضف إليها: كثرة المترادفات والمتشابهات في حجم يفوق التصور الابتدائي، حيث وضعت في العربية على سبيل المثال ـــ  زهاء ألف لفظة "للإبل" جمعها مؤلف إيراني ملّم بهذه الظاهرة الفريدة في كتابه: "في أسماء الإبل"، كما نرى ما يقارب ستمائة لفظة للسيف وما يقارب هذا العدد للخمر.
في هذا المجال يحتمل أن تكون الإنجليزية فازت في الآونة الأخيرة بالسبق على العربية في كم هائل من الألفاظ المستحدثة التي وضعت خلال عملية التقدم التكنولوجي وبفضل التقنيات الحديثة، لكن هذا السبق إنما ينحصر في أسماء الذوات والأشياء المادية ولا يشمل المفاهيم المجردة، كالعواطف الإنسانية والصفات النفسية العربية التي لا مقابل لبعضها في الإنكليزية (كالغيرة والحمية مثلاً).
وواضح للضالعين في الآداب مدى تأثير هذه التنوعات اللفظية في تنوع صور الكلام، هذا التنوع الكلامي ليس متأثراً فقط بتنوع صور الخيال في الشعر وفي النثر الأدبي بل يؤثر فيه أيضاً، نظراً للصلة المتقابلة بين اللغة والفكر، علم نفس اللغة في دراساته الحديثة يؤكد هذا.
ـــ  تؤدي سعة مساحة الاشتقاق وكثرة المترادفات في العربية إلى صعوبة تعلّمها للأجانب (وللناشئين العرب وحتى المثقفين منهم حيث يتعرضون للحن والخطأ في استعمال الضمائر المؤنثة وفي تأدية إعراب الكلمات فيضطرون إلى التسكين على قاعدة "سكّن تسلم") (7). أما الفارسية فيسهل تعلمها باعتراف الأساتذة العرب الذين اشتغلوا بتدريسها في الجامعات العربية.
غير أن هذه السهولة يمكن اعتبارها أمراً إيجابياً في تعليم اللغة فقط، وليس في امتلاكها واستغلالها، فسواقة دراجة هوائية أسهل بكثير من طائرة وهل هذا يعني أفضلية الدراجة على الطائرة؟!
ـــ  الموضوعان السابقان (سعة الاشتقاق وحجم التنوعات اللفظية) يدفعانا نحو التعقل في مسألة أساسية، أمرنا الله عز وجل أن نتعقل فيها، ألا وهي اختيار اللغة العربية لتنزيل الكتاب السماوي الخالد والمعجزة الوحيدة المتبقية من عصر الأنبياء وتشير إليه الآية الشريفة )إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون( (يوسف ـــ  2)، أي ينبغي بل يجب التعقل في سر نزول القرآن وهو النص الديني الوحيد الذي يدعي الإعجاز ـــ  باللغة العربية.
لا تفوتنا التفاسير التي ترى لفظة (عربياً) صفة للقرآن تعني أنه قرآن فصيح، وبيان واضح لو كان القرآن قد نزل بلغة فارسية فصيحة أيضاً لكنا نستطيع تسميته قرآناً عربياً غير أعجمي بهذا المعنى. لكن الخصائص التي تنفرد بها اللغة العربية وقد أشرنا إلى بعضها، كفيلة بإقناعنا بأن اختيار هذه اللغة لسرد الكلام الإلهي، واستيعاب وحي لـه ظهر ولظهره بطن إلى سبعين بطناً لـه مبرراته في طاقات هذه اللغة.
الفوارق التي ذكرنا بعضها بين العربية والفارسية لم تفض إلى ابتعادهما عن بعضهما ولم تمنع عن التلاحم بينهما وعلى الرغم من البون الشاسع بين اللغتين من حيث اشتقاقهما من أصلين مختلفين، ما زلنا مصّرين على أن العلاقة المتقابلة بينهما تفوق نوعية الصلات بين سائر اللغات. فالشعب الفارسي لم ير في الألفية الأخيرة ـــ  في العربية مجرد لغة لشعب يجاوره ـــ  وخاصة أن الفارسية كانت لغة المستعمر لنصف من العرب قبل ظهور الإسلام ـــ  بل رأى فيها مفتاحاً لكنز السعادة وأداة للاستفادة من الثقافة الإسلامية.
وإليكم بعض مظاهر الاشتراك بين اللغتين في الفصل التالي:

الفصل الثاني: وجوه الاشتراك بين اللغتين

ـــ  إن فشل الجيش الإيراني أمام معسكر الإسلام والذي أدى إلى سقوط الإمبراطورية الساسانية، كان منطلقاً للاختلاط الفكري والثقافي بين الشعبين، ولم يفعل السيف ولن يفعل هذا الدمج، لولا قناعة بسيادة الأخرى قيمة وثقافة (8)، فسرعان ما انتشرت معالم الدين السماوي الجديد في إقليم فارس الكبير، منها: قضاء الخط العربي على الخط المسماري الإيراني القديم ولا يخفى ما لهذا الاستبدال من تبعات في تقريب الشعبين، كما لا يخفى اليوم أثر استبدال الخط التركي من العربية إلى اللاتينية على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية وإبعاد الترك عن هويتهم الإسلامية وخوضهم في معالم الثقافة الغربية.
ـــ  لم يقف تأثير العربية على الفارسية عند إبدال الخط، بل ضخّت مجموعة ضخمة من مفرداتها إلى الفارسية بما يقدر بسبعين بالمائة من هيكلية الفارسية الدارجة! فلا "الفردوسي" ـــ  وهو أسطورة الأدب الفارسي في الشعر الحماسي بديوانه الشهير عالمياً (شاهنامه) ـــ  استطاع أن يضع حداً لانتشار المفردات العربية في الفارسية رغم شعبيته العظيمة الباقية لحد الآن في أدب المقاهي وملاعب الرياضة المحلية (زورخانه)، (مع تصريحه بأنه نظم هذا الديوان للحفاظ على الفارسية فلم يستعمل الألفاظ العربية فيه إلا ما فات منه ولا يتجاوز عدد أصابع اليدين)، ولا مخططات الحركة الشعوبية ضد إشاعة العربية في لغة السوق (ومنها مرسوماتهم بتبديل الياء ألفاً والألف ياءً كما يروى)، وإصرار الأسرة البهلوية (قبل انتصار الثورة الإسلامية) على فرسنة المفردات العربية، لم تستطع جميع هذه المحاولات أن تقلل من حجم الانتماء الإسلامي الإيراني إلى تذوق لغة القرآن.
ولا أحد ينكر دور الأدباء الفرس الريادي في وضع علوم العربية من صرفها ونحوها وبلاغتها وتجويدها وعروضها، فهم علماء العربية حقاً (9) أخذوا على عاتقهم تقنين قواعدها وتنظيم قوالبها طيلة ألف سنة من تاريخ هذه الأمة، وعندما كان سيبويه ينصرف إلى تأليف "الكتاب" في النحو، وعبد القاهر الجرجاني يشتغل بتنظيم البلاغة العربية في كتابيه "دلائل الإعجاز"، و"أسرار البلاغة" وغيرهما لم ينصرف أحد منهم إلى تقنين قواعد اللغة الفارسية وأقدم كتاب ألف فيها وطبع في أسطنبول يرجع إلى مائة وستين سنة!.
إذن، العربية موجودة في الفارسية بكم هائل من مفرداتها التي تشكل غالبية ألفاظ بعض الجمل الدارجة (على سبيل المثال لا الحصر جملة: "استعمال دخانيات أكيداً ممنوع" أو عبارة "شركت حمل ونقل مستقيم بامسئوليت محدود"!، وإن تجنست هذه الألفاظ بجنسية فارسية من حيث نبرتها ومن حيث إخضاعها لأصول الصرف الفارسي.
ـــ  بالمقابل نرى جماً غفيراً من المفردات الفارسية التي تسللت إلى العربية وشاعت في مختلف البلدان العربية. وأثر الفارسية في إدخال مفرداتها إلى العربية يفوق سائر اللغات الشرقية.
يقول السيد ادي شير في مقدمة "معجم الألفاظ الفارسية المعربة":
"أدخل العرب في لغتهم من لغات هذه الأقوام (البابليين والمصريين والفرس واليونان والروم والآراميين والعبرانيين والحبشيين والهنود) ألفاظاً كثيرة، ولكن اللغة التي حازت قصبة السبق في إعارتها اللغة العربية ألفاظاً كثيرة هي الفارسية وليس فقط القبائل المجاورة للفرس بل القبائل البعيدة أيضاً استعارت منهم كلمات كثيرة لا يضمها حصر" (10) هذا المعجم يشمل مئات من الألفاظ الفارسية المعربة، رغم اعتراف صاحبه بقصوره في تأليف هذه الدراسة، إذ أنه ركز على معجم فارسي واحد هو "البرهان القاطع" ومعجمين عربيين هما: "محيط المحيط و"أقرب الموارد".
لمزيد الإفادة خصصت الفصل الأخير من هذه المقالة بذكر بعض مفردات هذا المعجم التي يكثر استعمالها، كما أضفت إليها مفردات أخرى رأيتها شائعة في العربية المعاصرة.
المفردات الفارسية التي تسللت إلى العربية "وصلت في أزمان متفاوتة، وحصل هذا التسرب اللغوي قبل الإسلام وبعده، عوامل التماس اللفظي عديدة، أهمها: الجوار، والقوافل الفارسية العابرة صحراء العرب في طريقها إلى اليمن والحبشة... ثم التماس بعد الإسلام عمّ فشمل مناحي وأسباباً عديدة... ويعجز الأفراد من العلماء عن حصرها في أيةٍ من اللغتين، من الشرق إلى الغرب ومن الغرب إلى الشرق، وكاد الميزان يتعادل" (11).
والفارسية: كان لها الدور في التفاعل مع اللغة العربية والتداخل فيها تداخلاً عضوياً الأمر الذي أدى إلى وجود طائفة من العبارات الفارسية الأصل والمستعربة والتي أخذت تشكل مع الأيام لغة شبه مستقلة وقد اتسعت هذه اللغة وشملت عدداً كبيراً من بلاد العرب، خاصة في العراق وسائر المناطق الشمالية (12).
ولا تقتصر هذه التسريبات في التأثير على اللغة العربية فحسب، بل تشمل آدابها (13) أيضاً: "ولما تغلغلت المدنية الفارسية في حياة العرب أيام بني أمية وبني العباس، ألفى العرب أنفسهم أمام ألوان من الطعام، وفنون من طرق العيش، وأشياء لا حصر لها من أدوات التجمل وأثاث القصور، فأخذوا أسماءها عن الفهلوية وعربوها، واستخدموا بعضها في الأدب وتظرفوا بها، وحسبنا الرجوع إلى كتاب "شفاء الغليل في المعرب والدخيل" (للخفاجي) وكتاب "المعرب" (للجواليقي)، لنقف على كثرة هذه الكلمات التي يصعب علينا تمييز أكثرها لتحولها عن صورتها الفارسية في التعريب" (14).
نحن لا نجد في تاريخ الأدب العربي كله أدباً خارجياً أثر فيه مثل ما أثر الأدب الفارسي كما أن تاريخ الأدب الفارسي لا يعرف في جميع عصوره مؤثراً خارجياً اكثر شمولاً وأعظم تأثيراً من اللغة العربية والأدب العربي، ولا يخفى ما كان لهذا التفاعل الوثيق المتشابك الفروع من أثر فعال في تطويرهما وإخراجهما من نطاق أدب محلي إلى ميدان أدب إنساني عالمي، وجعلهما في مصاف الآداب العالمية الكبرى" (15).
كما أن هذا التفاعل والامتزاج كان في العصر العباسي "سبباً للتطور والتجديد الذي رفع الأدب العربي بعد أن وصف بحق أو بغير حق بأنه جاهلي أكثر من الأدب الجاهلي إلى أدب إسلامي خرج من الخصوص إلى العموم" (16).
هنا أود الإشارة إلى الموقف السلبي الذي يتخذه بعض اللغويين العرب إزاء ظاهرة ورود الألفاظ الفارسية (وغير الفارسية) إلى العربية حيث يتهمون من يستعمل هذه الألفاظ بالركاكة. ليتهم ينتبهون إلى أن الفارسية التي أصدرت إلى العربية مئات من مفرداتها، استوردت بالمقابل آلافاً من المفردات العربية، إن هذه الظاهرة: أي الأخذ والعطاء، هي من لوازم حيوية أي لغة، لأنها تدل على انفتاح قوم أمام الآخرين وامتزاجه بهم في الأسرة البشرية الواحدة. إن توجيه تهمة الركاكة لمن يستخدم عدداً من ألفاظ جيرانه (وخاصة إذا كانوا ينتمون إلى ثقافة واحدة وديانة واحدة) يعيد إلى الأذهان ضرورة إقامة حائط الصين أو حائط برلين ـــ  في نظر هؤلاء ـــ  للحؤول دون أي تأثر لغوي من الغير! ليتهم خرجوا من قشورهم ليروا ما رآه أبو حيان التوحيدي، عندما قال: "لقد صدقت الفرس في هذا، والأمم كلها شركاء في العقول، وإن اختلفوا في اللغات" (17).
لاشك أن الركاكة اللغوية تهدد ثقافة أي قوم وكيان أي مجتمع ولكن لكل لغة أن تدافع عن خصائصها الجوهرية، كالأصول العامة في صرفها واشتقاقها ونحوها وإعرابها، وإذا احتفظنا بهذه الأصول فلا ضير في إدخال مفردات سائر اللغات، لأنها تخضع حينئذ لهذه الأصول وتتجنس بجنسية هذه اللغة.
ولا يرّد هذا الرأي الاحتجاج بأهمية القرآن ولزوم ابتعاد العربية عن أية مفردة أجنبية لأنها تبعدنا عن ثقافة القرآن، لأننا نحتج بالقرآن نفسه، لما نرى فيه من ألفاظ غير عربية من مختلف لغات الشعوب المجاورة للجزيرة العربية ومنها الفارسية.
وقد ألّف السيوطي كتاباً في الألفاظ غير العربية في القرآن سماه المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب" لخصه في باب من "الإتقان في علوم القرآن" يذكر فيه (18) احتجاج القائلين بوجود الألفاظ الأعجمية في القرآن بالآية الشريفة )وما أرسلنا من رسول إلاَّ بلسان قومه( ـــ  إبراهيم ـــ  4 ـــ  ، وأن النبي e مرسل إلى كل أمة فلابد أن يكون في الكتاب المبعوث به من لسان كل قوم.
ويذكر في القرآن ألفاظاً بالعبرية نحو (بعير) والحبشية (الجبت) والسريانية (ربانيون) والنبطية (تتبيرا) والزنجية (حصب) واليونانية (سرى) والرومية (عدن) والتركية (غساق) والقبطية (مزجاة) والمغربية (يصهر) وغيرها.
كما يذكر ألفاظاً فارسية في القرآن منها (استبرق) وهو الديباج الثخين، و(أباريق) و(تنور) و(جهنم) وقيل إنها فارسية، و(دينار) و(الرس) بمعنى البئر، و(زنجبيل) و(السجل) بمعنى الكتاب، قيل إنها فارسية، و(سرادق) وأصلها سرادر وهو الدهليز أو سرابرده أي ستر الدار (وسقر) و(سلسبيل) و(سندس) االديباج (وقفل) فارسي معرب، و(كافور) فارسي معرب، و(كنز) و(كورت) غورت بالفارسية و(مجوس) و(مرجان) و(مسك) و(مقاليد) أي مفاتيح و(هود) أي اليهود وياقوت.
إضافة إلى ما ذكره السيوطي هناك ألفاظ أخرى في القرآن مثل "الجناح" و"الرزق" و"الزخرف" و"الشواظ" و"يشتهون" وقيل إنها معربة من أصول فارسية هي: "كناه" و"روزي" و"زيور" و"سوزا" (أي شديد الحريق) والأخيرة مقتبسة من "شاهي" (أي طعام ملكي لذيذ).
أضف إلى ذلك أن القرآن نقل ألفاظاً عربية كثيرة إلى معانٍ جديدة تخدم فقه الإسلام وعرفان الإسلام كالصلاة والصوم والحج والخمس وغيرها وتسمى "المنقولات الشرعية" التي تنتقل من وضعها الأولي، وتستهلك في وضعها الثانوي القرآني، كما تنسلخ الألفاظ الأعجمية المستعملة في القرآن عن أعجميتها وتتمظهر بهوية عربية تناسب القرآن، كأنها عربية أصيلة.
ـــ  في سياق المشتركات الموجودة بين اللغتين (إضافة إلى عملية التبادل اللغوي المذكور آنفاً) تجدر الإشارة إلى انصباغ علم البلاغة الفارسية بمصطلحاته ومضامينه ومعاييره بالبلاغة العربية، حيث نرى أن عمدة الكتب المؤلفة في فن البلاغة الفارسية تجري على نفس النسق العربي من ثلاثية المعاني والبيان والبديع ونفس النمط في صناعات هذه الأبواب، فقد اعتمد مؤلفو البلاغة الفارسية طريقة الكتب البلاغية العربية (التي أساسها من آثارهم كما قلنا) في تبويب الأبواب والصناعات، وذكر أمثلة عربية تليها أمثلة من الشعر والنثر الفارسيين.
ـــ  كذلك لا يخفى مدى تأثر واضعي قواعد اللغة الفارسية بأسلوب تأليف الكتب الصرفية والنحوية العربية، فاعتمدوا نفس المصطلحات وحذوا حذوها في ما أمكنهم من المسائل الصرفية والنحوية إلا في الخلافات الرئيسية بين اللغتين على هذا الصعيد.
ـــ  تشترك اللغتان في مواجهتهما نقاشاً حاداً بين اللغويين الكلاسيكيين (التقليديين) وبين الحداثويين المتجددين فيما يسمى بالازدواجية اللغوية:
ترى الفئة الأولى أن من وظيفة العلماء اللغويين: الدفاع عن سيرة اللغة وماضيها بغية الاحتفاظ بالتراث الثقافي، فيأخذ علم اللغة ـــ  من هذا المنطلق ـــ  منحى تكليفياً يلزم الشعب مراعاة قواعد اللغة واعتماد اللغة الفصحى في النشاطات الاجتماعية ويحذرهم من الأخطاء الشائعة، بالمقابل وفي رأي الفئة الثانية، لهذا العلم منحى توصيفي يقف عند تنظيم ما يجري الله على ألسن عباده، وليس لأحد من العلماء اللغويين، أن يعلّم الناس كيف يتكلمون فالشعب هو المرجع في اللغة، في سياق الآية الشريفة: )وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه( (إبراهيم ـــ  4) لا معنى من هذا المنطلق ـــ  للخطأ الشائع، وقد لا يكون شيء أصح من الخطأ الشائع.
بناء على رأيهم، أن اللغة الفصحى (وبالأحرى: الفصيحة) هي التي تدور على ألسنة الجمهور، وليست تلك المحبوسة بين دفتي كتب اللغويين.
هذا النقاش أخذ يتوسع في الآونة الأخيرة بين مختلف اللغات، والفارسية تشارك العربية في خوض هذه المعركة، إلا أن حمّى المعركة في العربية لا تقاس بما نلمسه في الفارسية، ولا سائر اللغات، لأن العربية تنفرد في كونها رحاباً لنص مقدس هو القرآن، ويعتقد بأن أي مساس بالعربية الفصحى يؤثر سلباً على استيعاب المفاهيم القرآنية من جهة كما يقضي على وحدة شرائح العرب الخاضعة لأنظمة سياسية متناقضة.
ومما يسبب حدة النقاش في العربية أكثر منها في الفارسية انتشار الأقطار العربية في آسيا وأفريقيا واصطدام العرب المباشر بالثقافات الأوربية خاصة بالأدبين الفرنسي والإنجليزي وتأثر الأدب العربي بهما بعد فتح نابليون لمصر، مما سبب فتح مدارس وجامعات إنكليزية أو فرنسية كثيرة في مختلف البلدان العربية، واعتماد اللغات الأوربية في بعض الجامعات الرسمية الأهلية وحتى المدارس والحضانات، خاصة في لبنان، وقد تأثرت المدارس الأدبية ولغة الخطابة والشعر والمسرح والسينما بهذه الصدمة.
لنقرأ ما يقولـه  أحد النقاد في تصوير ظاهرة الازدواجية اللغوية:
"يبدو أن الخراب اللغوي يشيع الآن بقوة في أرجاء العربية.. وهاهي جحافل التتار الجدد من أعاجم العصر الجديد تزحف على قلاع الفصحى لتحطم أقوى أسوارها، وها نحن، بعد أن دالت الأيام وتداولتها الأزمنة، صرنا نسمع نشرات الأخبار بالعامية والتصريحات السياسية بالعامية وبالعامية أيضاً تعقد مؤتمرات السيّاس والريّاس والقوّاد وأرباب العباد. إنه التلوث الجديد الذي يكتنف سماء اللغة اليوم ويسمم بجراثيمه القول والعبارة والفكر معاً" (19)
من هنا يمكن تفهم مشكلة ازدواجية اللغة العربية بنحو لم تتعرض لـه الفارسية.
على أي حال، سببت هذه الصدمة الثقافية في الأقطار العربية سلبيات مختلفة على مستوى القيم والمعتقدات، كما أفضت إلى إيجابيات تفوّق العربية المعاصرة على الفارسية في بعض منطلقاتها، ومنها تطور مدارس النقد الأدبي وإطلاق ثورة في أساليب تعلم اللغة والنحو والبلاغة، بما فيها التركيز على تدريس النحو من خلال النصوص (لا في قواعد جافة)، وعدم الفصل بين البلاغة والنحو في المناهج التعليمية (20) وكذلك عدم الفصل بين البلاغة والأدب، فعلى البلاغة أن تدرس مواطن الإبداع التي تفوق التصنيف التقليدي لمصطلحات البيان والبديع وتقترح لها مصطلحات جديدة نابعة من الاستعمال الحديث، مثل: الرمز، وتراسل الحواس، والنقل الموحي والمداورة، والأسطورة، والرؤيا الشعرية، والإيحاء، والصورة الفنية، وأنواعها الكثيرة" (21).
ـــ  اللغتان الفارسية والعربية، على حد سواء، حافلتان بماض عريق استطاع أن يضمن حضوره في مسيرتهما التاريخية، ويواكب التطورات اللغوية طيلة عدة قرون. فكما أن العربية الفصيحة نجت من التحول إلى لغات عدة تباعاً للهجاتها المختلفة بفضل القرآن وسائر النصوص الغنية فيها، كذلك استطاع الأدب الفارسي أن يحتفظ بكيانه في قرون متمادية بفضل تراثه الأدبي الذي ضمن خلوده باستلهام القرآن والثقافة الإسلامية، في حين تحولت اللاتينية إلى لغات مستقل بعضها عن بعض، وغدا صعباً أن يفهم أصحاب كل لغة تراثهم بلغة حاضرهم، كما هي حال الإنكليز الذين لا يستطيعون في الوقت الراهن قراءة أعمال شكسبير باللغة التي كتب بها أعماله في القرن الميلادي السادس عشر" (22).
وأخيراً، نحن بأمس الحاجة إلى تفعيل ملف النشاط المشترك اللغوي والأدبي بين إيران والشعب العربي، نظراً لانتمائهما إلى ديانة واحدة وأحاسيس مشتركة وضرورة توحيدهما في معركة واحدة في مختلف المجالات وعلى الصعيد الأدبي واللغوي. فلا بد من تعريف الأخوة العرب بدستور الجمهورية الإسلامية الذي ينص على ضرورة تعليم العربية في المدارس الإيرانية، وأقسام اللغة العربية بالجامعات الإيرانية، ونشاطات القناة العربية في التلفزيون الإيراني، والجرائد والمجلات العربية المنتشرة في إيران، كما نفتقد إلى معرفة الشعب الإيراني بالدراسات القيمة التي أجراها أساتذة قسم اللغة الفارسية في الجامعات العربية، والكتب والمجلات التي نشروها في التعريف بالأدب الفارسي، وكم نحتاج إلى تكثيف العلاقات الأكاديمية بين أقسام اللغة العربية والفارسية في الجامعات، وخاصة تبادل الخبرات في المجامع العلمية اللغوية بين إيران والدول الشقيقة العربية.

 

 

qq


الهوامش:

(1)  لدراسة المسار التاريخي الذي مزج بين الأدبين الفارسي والعربي في العصر العباسي (عصر ازدهار اللغة العربية) ثم ابتعادهما عن بعضهما وأثر هذا الابتعاد في خمول الأدب العربي في عصر الانحطاط، راجع المقدمة الأولى لكتاب "قطاع في تيار التفاعل بين الأدبين الفارسي والعربي" ـــ  د. صلاح الصاوي ـــ  مؤسسة الهدى للنشر والتوزيع 1990.
(2) راجع مقدمة كتاب "الحافظ الشيرازي: شاعر الغناء والغزل في إيران"، أثر الدكتور إبراهيم أمين الشواربي.
(3) من مقالة الشاعر اللبناني محمد علي شمس الدين بعنوان "نسر اللغة الأخير"، نشرت في جريدة السفير بتاريخ 7/12/96.
(4) من مقالة الدكتور أسعد علي بعنوان "عواصم عبد الله العلايلي" في السفير ـــ  14/12/96.
(5) من مقالة: نسر اللغة الأخير ـــ  محمد علي شمس الدين.
(6) المصدر السابق.
(7) للتحقيق في آراء النقاد حول التسكين راجع: المشكلة اللغوية العربية ـــ  54 ـــ  سمر روحي الفيصل ـــ  دار جروس برس ـــ  طرابلس ـــ  لبنان 1992.
(8) راجع ـــ  "التشييع بين جبل عامل وإيران" علي مروة ـــ  25 ـــ  رياض الريس للكتب والنشر ـــ  بيروت.
(9) نخص بالذكر منهم: سيبويه والكسائي والفراء وأبا علي الفارسي وابن جني والجوهري في العلوم اللغوية، وأبا عبيدة معمر ابن المثنى وحماد الرواية وخلف الأحمر وأبا عمرو الشيباني والتبريزي وعبد القاهر الجرجاني في رواية اللغة والشعر والدراسة الأدبية ـــ  راجع: "تيارات ثقافية بين العرب والفرس ـــ  246.
(10)  معجم الألفاظ الفارسية المعربة ـــ  السيد ادي شير ـــ  مكتبة لبنان 1990.
(11) مقالة الدكتور محمد تونجي في مجلة الدراسات الإسلامية الربيع والصيف 1965.
(12) لغات عربية ـــ  د. أمين ألبرت الريحاني ـــ  دار الجديد ـــ  بيروت 1994.
(13) ارجع في ذلك إلى المقارنة التي عقدها الدكتور أحمد أمين، رداً على سؤال طرحه عن أي ثقافات كانت أكثر تأثيراً في اللغة العربية: الثقافة الفارسية أم الثقافة اليونانية، حيث قرر أن: "لكل ثقافة منطقة نفوذ لا تزاحمها فيها الثقافة الأخرى، ثم يختص "منطقة الأدب بالنفوذ الفارسي" ـــ  ضحى الإسلام ـــ  القاهرة ـــ  لجنة التأليف والترجمة والنشر ـــ  الطبعة السابعة ـــ  1/375.
(14) مقالة الدكتور أمين عبد المجيد بدوي أستاذ الفارسية بجامعة الملك سعود بالرياض في مجلة الدراسات الأدبية ـــ  الربيع 1962.
(15) مقالة الدكتور محمد محمدي في مجلة الدراسات الأدبية ـــ  بيروت ـــ  الربيع 1962.
(16) "قطاع في تيار التفاعل بين الأدبين الفارسين والعربي ـــ  2.
(17) البصائر والذخائر ـــ  أبو حيان التوحيدي 237 ـــ  238.
(18) الإتقان ـــ  السيوطي ـــ  1/135 عالم الكتب ـــ  بيروت.
(19) صقر أبو فخر ـــ  في مقال بعنوان العجب العجاب في كتابة الأسماء والكنى والألقاب ـــ  نشرته جريدة السفير.
(20) المشكلة اللغوية العربية ـــ  69.
(21) نحو بلاغة جديدة ـــ  د. خليل كفوري ـــ  منشورات نداف لبنان 1994.
(22) المشكلة اللغوية العربية ـــ  27.


qq


*  أستاذ مساعد في جامعة أصفهان ـ  إيران.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق