ملخص نظرية الترجمة لجيريمي مندي
ملخص نظرية الترجمة
جيريمي مندي
ترجمة و إعداد : ا.د. كاظم العلي
1. مقدمة:
إنَّ دراسات الترجمة منهج أكاديمي بحثي حديث نسبيا توسع بصورة انفجارية في السنوات الأخيرة. و بينما كانت الترجمة تدرس في السابق ضمن عملية تعلم اللغة أو بوصفها جزءا من الأدب المقارن و ورش الترجمة و مقررات اللسانيات المقارنة، فإنَّ المنهج الحديث يدين بالكثير إلى عمل جيمز أس هولمز James S. Holmes الذي وضعت دراسته الموسومة "أسم و طبيعة دراسات الترجمة" "The Name and Nature of Translation Studies" أسم و بنية هذا الحقل المعرفي.و قد شكلت الفروع المتداخلة لدراسات الترجمة النظرية و الوصفية و التطبيقية الكثير من البحث الحديث و ساعدت في ردم الهوة التي اتسعت بين نظرية الترجمة و ممارستها.
2. نظرية الترجمة قبل القرن العشرين:
تمركز الكثير من نظرية الترجمة منذ شيشرو Cicero و إلى القرن العشرين حول الجدل المتكرر و العقيم فيما إذا كان يجب ان تكون الترجمات حرفية (كلمة بكلمة)Word for Word أو حرة (معنى بمعنى)Sense for Sense ، و هذه ثنائية ناقشها بصورة معروفة القديس جيروم Saint Jerome في ترجمته للكتاب المقدس إلى اللاتينية. و كان الجدل حول ترجمة الكتاب المقدس و كتب دينية أخرى مركزيا بالنسبة إلى نظرية الترجمة لأكثر من ألف عام. لقد كان المنظرون الأوائل مترجمين قدموا تبريرا لمنهجهم من خلال مقدمة للترجمة، و عادة ما اهتموا قليلا (أو لم يستطيعوا الوصول ) لما قاله آخرون سبقوهم. و أَشرت الثلاثية التي اقترحها درايدن Drydenفي أواخر القرن السابع عشر بداية تعريف للترجمة أكثر نظامية و دقة بينما كان لاحترام شليرماخر Schleiermacher للنص الأجنبي تأثير مهم على الباحثين في ألازمان الحديثة.
3. الخمسينيات و الستينيات من القرن العشرين:
أثيرت في خمسينيات القرن العشرين و ستينياته قضايا مهمة عن طريق اللسانيات. و المصطلحات الأساسية في هذه الفترة هي المعنى و التكافؤ Meaning & Equivalence ، التي ناقشها رومان ياكوبسن Roman Jakobson في 1959 و طورها بحيوية نايدا Eugene Nida الذي تحلل كتبه المعنى بصورة نظامية و تقترح أن الترجمة ينبغي أن تهدف إلى إحراز الأثر المكافئ equivalent effect .و بالرغم من الاستجواب اللاحق لعملية ذلك الهدف فإنَّ الأنجاز العظيم لنايدا يكمن في سحبه نظرية الترجمة بعيدا عن الجدل الرتيب حول الترجمة الحرفية و الترجمة المعنوية .و يضع مفهوميه عن التكافؤ الشكلي و التكافؤ الداينمي Formal Equivalence and Dynamic Equivalence المستلم receiver في مركز المعادلة كما أن المفهومين تركا أثرا هائلا في المنظرين اللاحقين , و خصوصا في ألمانيا.
4. النظريات اللغوية:
شهدت خمسينيات القرن العشرين و ستينياته ظهور محاولات في التصانيف الموسعة للتغييرات اللغوية الصغيرة changes, shifts بين الأزواج اللغوية. و يستمر تصنيف فني و داربلنيهVinay & Darbelnet الكلاسي في إحداث التأثير لحد اليوم و كان مفيدا في ابراز مدى واسع من تقنيات الترجمة المختلفة. مع ذلك، و كشأن كاتفورد J.C. Catford الذي طبق في الستينيات منهجا لسانيا مقارنا Contrastive Linguistics بصورة نظامية على الترجمة، فإن نموذجهما يعد نموذجا لغويا جامدا. إن تشوش حدود الصنف و الحساب الذاتي للتغييرات هي مشاكل استمرت بالتأثير على المحاولات اللاحقة مثل محاولة فان لوفن-زفارتزvan Leuven-Zwart الذي يحاول نموذجها أن ينظم تقييم زوج لغوي (لغة مصدر و لغة هدف) و يربط التغييرات بمستويات الخطاب العليا. و يأتينا المدخل الأخر لتحليل التغييرات من جيكوسلوفاكيا في الستينيات و السبعينيات حيث اعتنى كل من ليفيLevy و بوبوفتشPopovič و مايكو Mikoعناية بالغة بترجمة الأسلوب.
5. نظريات الترجمة الوظيفية:
نقلت نظريات الترجمة الوظيفية و التواصلية التي تم تطويرها في ألمانيا في السبعينيات و الثمانينيات من القرن الماضي الترجمة من كونها ظاهرة لغوية جامدة إلى عدَّها فعلا من أفعال التواصل البيثقافي. و يربط عمل رايس Reiss الأساسي وظيفة اللغة و نوع النص و الجنس بإستراتيجية الترجمة. و أدمج منهج رايس لاحقا بنظرية الهدف Skopos theory المؤثرة جدا لصاحبها فيرمير Vermeerحيث تتقرر إستراتيجية الترجمة بواسطة وظيفة النص الهدف في ثقافة الهدف.و نظرية الهدف هي جزء من نموذج الفعل الترجمي translational action الذي اقترحته هولز مانتاري Holz-Mänttäriو الذي يضع الترجمة التجارية المهنية ضمن سياق اجتماعي ثقافي مستعملا مصطلحات العمل و الإدارة. و ينظر للترجمة بوصفها صفقة تواصلية تشتمل على المنشئ و المفوض و المنتجين و المستخدمين و مستلمي نصي الأصل و الهدف. و في هذا النموذج، ينزل نص المصدر عن عرشه و تقيم الترجمة ليس عن طريق تكافؤ المعنى بل عن طريق كفايتها طبقا لهدف موقف نص الهدف كما يعرفه التفويض. و يبقي نموذج نورد Nord المصمم لتدريب المترجمين على السياق الوظيفي لكنه يُّضمن نموذج لتحليل نص المصدر أكثر شمولية.
6. مداخل تحليل الخطاب و التنوع:
إنَّ مداخل تحليل الخطاب و التنوع مؤسسة على نموذج اللسانيات الوظيفية النظمية Systemic functional linguistics لهاليداي التي تربط الخيارات اللسانية المايكروية بالوظيفة التواصلية لنص ما و المعنى الاجتماعي الثقافي الكامن خلفه. و نموذج جوليان هاوس Julianne House (1977،1997) لتحليل التنوع مصمم لمقارنة زوج من نص مصدر- نص هدف فيما يتعلق بالمتغيرات الموقفية و الجنس و الوظيفة و اللغة، و لتحديد كل من طريقة الترجمة (المباشرة و غير المباشرة) و أخطاء الترجمة.و لقد وجه النقد إلى مدخل هاوس لمصطلحاته المشوشة و "العلمية"، و مع ذلك فإنه يقدم وسيلة نظامية للكشف عن بعض الاعتبارات المهمة للترجمة.
و يجمع عمل كل من منى بيكر (1992) و حاتم و ميسون (1990،1997) مدى من الأفكار من البراغماتية و اللسانيات الاجتماعية ذات الصلة بالترجمة و بتحليل الترجمة. و تحليل بيكر على وجه الخصوص مفيد في التركيز على البنى الثيمية و بنى التماسك لنص ما. و يمضي حاتم و ميسون اللذان يعملان أيضا ضمن نموذج هاليدي ابعد من مدخل هاوس في تحليل التنوع و يبدآن في تأمل الطريقة التي يتم بها مفاوضة و توصيل العلاقات الاجتماعية و علاقات القوة من خلال الترجمة.
7. نظريات النُظم المتعددة:
تنقل نظرية النُظم المتعددة لصاحبها إيفن-زوهار دراسة الترجمات من حالة التحليل اللغوي الجامدة للتغييرات و الهوس بالتكافؤ إلى تقصي موقع الأدب المترجم ككل ضمن الأنظمة التاريخية و الأدبية لثقافة الهدف. و يركز توري من بعده الانتباه على إيجاد منهجية لدراسات الترجمة الوصفية. و يدمج إطاره النظري الموجه نحو نص الهدف المقارنة اللغوية لنصي المصدر و الهدف مع اعتبار الإطار الثقافي لنص الهدف. و هدفه هو تحديد انساق السلوك في الترجمة و محاولة بعد ذاك "إعادة بناء" الأعراف الفاعلة في عملية الترجمة.و الهدف النهائي لدراسات الترجمة الوصفية هو اكتشاف القوانين الاحتمالية للترجمة، التي قد تستخدم لمساعدة مترجمي و باحثي المستقبل. و يبقى هناك عملية تحديد شكل مقارنة نصي الأصل و الهدف، و قاد باحثو مدرسة التعاطي مزيجا متفاعلا من النماذج النظرية و حالات دراسة في مطلع الثمانينيات، و من بينها مخطط لامبرت و فان غورب النظامي لوصف الترجمات. و طور جسترمان أيضا فيما بعد مفهوم الأعراف.
8.الدراسات الثقافية:
ركنت النظريات اللغوية جانبا و تركز الاهتمام على الترجمة بوصفها تحويلا ثقافيا و على تلاقح الترجمة مع مناهج نامية أخرى ضمن الدراسات الثقافية. و من بين الاهتمامات في هذا المجال:
•· الترجمة بوصفها عملية إعادة كتابة ، و هو اتجاه تطور عن نظريات النُظم و كان رائده اندريه لوفيفر Lefevere، تتم فيه دراسة إيديولوجيات علاقات القوة الموجودة في رعاية و بوطيقا الأنظمة الأدبية و الثقافية التي تتداخل مع الترجمة الأدبية.
- الترجمة و الجندر، و هو اتجاه يتمثل بمشروع الترجمة الأنثوي الكندي الذي وصفته شيري سايمون Sherry Simonجاعلا من المرأة حاضرة في الترجمة.
- الترجمة و مابعد الاستعمارية، و هو اتجاه يمثله كل من شبيفاك Spivak و نيرانجانا Niranjana و كرونن Cronin تتم فيه مقارنة "زحزحة النصوص" و المترجمين العاملين في المستعمرات السابقة للقوى الأوربية أو بلغاتهم.
و ينير نيرانجانا على وجه الخصوص علاقات القوة في ترجمة الشعوب المستعمرة و يمضي بالترجمة ليساءل انحيازها الفلسفي و الأيديولوجي الغربي. و أخيرا، تستعمل الوحوشية البرازيلية Brazilian Cannibalism ، مثلما يمثلها دو كامبوس de Campos و فييرا Vieira ، استعارة التهام المستعمر لتنشيط التراث البرازيلي المحلي.
9. ترجمة الأجنبي:
يتركز الاهتمام هنا على قضايا استراتيجيات الترجمة و دور المترجم الأدبي. و المصطلح الأساس هو مصطلح لورنس فينوتي "اللا مرئية" invisibility . و يشير المصطلح، في الثقافات الأنكلو - أمريكية، إلى الكيفية التي يتم بها جعل العناصر الأجنبية غير مرئية بواسطة كل من استراتيجيات النشر و بتفضيل نص هدف "فصيح" يمحي آثار كل ما هو أجنبي.يناقش فينوتي استراتيجتين هما توطين الترجمة domesticating و تغريب الترجمة foreignising مفضلا الأخيرة ضمن سياسة "مقاومة" قيم الناشرين و المراجعين الأدبيين المهيمنة و المتمركزة إثنيا بشدة . و يناقش بيرمانAntoine Berman أيضا ، و هو ذو تأثير مهم على فينوتي، الحاجة إلى استراتيجيات ترجمية تسمح للعنصر الأجنبي أن يجرب ضمن ثقافة الهدف. و تتم مناقشة مساهمين آخرين في عملية الترجمة كالمترجمين الممارسين الذين غالبا ما ينظرون إلى أعمالهم بمصطلحات غامضة و الناشرين الذين يؤثرون و يتأثرون بعوامل السوق عالميا و كذلك المراجعين الذين يمثلون شكلا من أشكال استقبال نص الهدف.
و لعمل بيرمان و فينوتي صلات بكل من منظري الدراسات الثقافية و المداخل الفلسفية حيث يكون مفهوم الأجنبي و علاقته اللغوية و الهرمنيوطيقية و الأخلاقية بالأصل ذا قيمة أسمى.
10. نظريات الترجمة الفلسفية:
يفيد شتاينر George Steiner من التراث الهرمنيوطيقي الألماني في كتابه الموسوم "ما بعد بابل" الصادر في 1975، و هو عبارة عن وصف هائل للترجمة الأدبية، و الذي جعل الترجمة في حينه محط اهتمام العديد من غير المختصين. و تتفحص "حركته الهرمنيوطيقية" تفسير المعنى . و تؤكد ترجمات عزرا باوند Ezra Pound و نقوده الطريقة التي تستطيع بها اللغة أن تنشط نص ما من خلال الترجمة، بينما تتحدث دراسة وولتر بنجامن Walter Benjamin الموسومة "مهمة المترجم" "The Task of the Translator" بكثافة و شاعرية حول إطلاق لغة "نقية" من خلال الترجمة "الحرفية". و أخيرا "يقوض" دريدا Derrida بعض يقينيات الترجمة بما فيها التعارض بين لغة المصدر و لغة الهدف و ثبوتية العلامة اللغوية. و يثير هذا التدقيق لمبادئ نظرية الترجمة اللغوية قضايا تتعلق بنظام جديد لدراسات الترجمة.
11. دراسات الترجمة كمنهج متداخل:
مالت الدوائر الأكاديمية منذ فترة طويلة لاعتبار الترجمة كفعالية اشتقاقية و ترددت في قبول دراسات الترجمة كمنج جديد. و لهذا السبب أستمر القيام بالكثير من البحث في دراسات الترجمة ضمن مجموعة متنوعة من الأقسام. و مدخل سنيل- هورنبي Snell-Hornby "الموحد" يعد محاولة لتجاوز الانقسامات بين التحليلات الأدبية و اللغوية للترجمة و هو مؤشر على المنحى الذي تتخذه دراسات الترجمة. و منذ ذلك الحين، تم التأكيد على تداخلية دراسات الترجمة و خصوصا في مجاميع من الدراسات تحتضن المدى الواسع للحقل، و إن وجدت الآن أيضا ضمن دراسات فردية. و تخلق هذه الدراسات الجديدة ، مثل دراسة هارفي ، التي تتطور من مجموعة من مناهج أخرى، منهجيات جديدة مناسبة لدراسات الترجمة. و قد يمكن هذا المدخل المتداخل حقا دراسات الترجمة لتلعب دورا بارزا في الجامعات ، غير ان هناك أيضا ميلا معاكسا تجاه التشظية fragmentation حيث تعارض المداخل اللغوية و الثقافية بعضها الآخر. و من المحتمل أن يكون لنمو تقنيات جديدة، في هذا الحقل كما في غيره من ا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق